سوريا بعد عام من التحرير… قراءات في إدارة الشرع لمرحلة التحوّل وبناء المستقبل

{title}
راصد الإخباري -





بقلم: نجوى صالح الشناق*

عام واحد كان كافيًا لإعادة رسم المشهد السوري. ما بعد التحرير لم يكن مجرد هدوء سياسي، بل مرحلة اختبار حقيقية للقيادة الوطنية لإعادة بناء الدولة واستعادة سيادتها ومؤسساتها بعد سنوات من الحرب والتدخلات الخارجية.

تولّي الرئيس أحمد الشرع البلاد جعل العام الأول مرحلة حاسمة لاختبار فعالية سياسات القيادة الوطنية. إذ لم يكن الهدف مجرد إدارة مرحلة ما بعد الحرب، بل وضع أسس عملية لإعادة الدولة إلى مسارها الطبيعي، وضبط التوازن بين الاستقرار الداخلي، حماية السيادة، وإعادة سوريا إلى موقعها المؤثر ضمن التوازنات الإقليمية والدولية.

الأمن الوطني… اختبار فعلي لقدرة القيادة

حتى بعد مرور عام على التحرير، يظل المشهد الأمني في سوريا حساسًا واستراتيجيًا، إذ تواجه الدولة تحديات محدودة لكنها حاسمة على صعيد حماية السيادة الوطنية وضمان استقرار المواطنين.

وهذا ما شهدته تدمر، حيث تعرّضت القوات الأميركية المشتركة مع القوات السورية في جهود مكافحة الإرهاب لهجوم نفذه عناصر مسلّحة يُرجَّح انتماؤها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

هذا الحدث يُعد مؤشرًا على قدرة الدولة على إدارة الملفات الأمنية المعقدة، وتعزيز مؤسساتها، وضبط التوازن بين الأمن الداخلي وحماية السيادة الوطنية. نهج الرئيس الشرع في هذه المرحلة يظهر حزم القيادة وكفاءتها في التعامل مع التهديدات، من خلال استراتيجيات متكاملة تجمع بين الأمن، التنسيق المحلي والدولي، وتعزيز قدرة الأجهزة على الاستجابة الفورية دون الانجرار إلى صراعات مفتوحة.

إدارة الدولة بعد التحرير… نهج استراتيجي لإعادة البناء

منذ تسلّم الرئيس الشرع مقاليد الحكم، ركّزت سياساته على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتعزيز فعاليتها لضمان استقرار الدولة، ووضع آليات واضحة لتعزيز الأمن الداخلي وحماية المواطنين، مع إطلاق انطلاقة تدريجية للانتعاش الاقتصادي واستعادة الدور الفاعل للدولة في المحافظات كافة.

هذا النهج أظهر قدرة القيادة على فرض هيبة القرار الوطني وضمان استمرارية مؤسسات الدولة بعيدًا عن ضغوط الحرب أو نفوذ القوى غير الرسمية، مؤكدًا أن إعادة الدولة إلى مسارها الطبيعي تتطلب خطة متكاملة تجمع بين الأمن، الاقتصاد، والحكم المؤسسي.

السياسات الإقليمية… إدارة متوازنة للعلاقات مع إيران وتركيا

تتعامل سوريا اليوم مع شبكة معقدة من العلاقات الإقليمية، تتطلب من القيادة الوطنية مهارة في الموازنة بين المصالح والأمن والسيادة.

العلاقة مع إيران أصبحت أكثر توازنًا، حيث يُضبط الحضور الإيراني ضمن إطار السيادة الوطنية، مع تعاون محسوب في الملفات الأمنية والاقتصادية، ما يمنح دمشق هامشًا أكبر في إدارة التوازنات الإقليمية. العلاقة الحساسة مع تركيا شهدت محاولات فتح قنوات أمنية ومفاوضات لتخفيف التوتر، مع حرص سوريا على ضبط الدور التركي بما يحفظ حدودها، وأنقرة على تأمين مخاوفها الاستراتيجية دون مواجهة طويلة.

نهج الرئيس الشرع يوضح قدرة الدولة على حماية سيادتها، وفرض الأمن، وإدارة تحالفاتها بعقلانية، بما يعزز استقرار سوريا وموقعها الإقليمي.

السياسات الأميركية… إدارة الحضور والتوازن الدولي

السياسات الأميركية تجاه سوريا اليوم تقوم على الاحتواء والمراقبة بعيدًا عن المواجهة المباشرة، مع إدارة التوازن بين روسيا وإيران والحفاظ على الاستقرار في شرق المتوسط. وجود القوات الأميركية في مناطق محددة، والتهديدات الأمنية التي تظهر من حين لآخر، كما في محيط تدمر، يوضح أن دمشق تحتاج إلى استراتيجية دقيقة لضمان عدم التأثر بالضغوط الأميركية، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية وسلامة مواطنيها.

دور دول الخليج… شريك استراتيجي لإعادة التوازن الإقليمي

العودة الفعلية لدول الخليج العربي إلى المشهد السوري بعد التحرير لم تكن مجرد تحرك سياسي، بل رسالة دعم ملموسة لإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي في عمقها العربي. فقد لعبت السعودية والإمارات وقطر دورًا رئيسيًا في دعم إعادة الإعمار وتخفيف الضغوط الاقتصادية، ما منح الدولة السورية هامشًا أكبر للتركيز على أولوياتها الوطنية.

 هذا الانخراط الخليجي أعاد لسوريا قدرتها على المناورة ضمن شبكة التحالفات الإقليمية دون الانجرار إلى تبعية لمحور واحد أو التضحية بالسيادة الوطنية. وقد استغلت القيادة الوطنية تحت الرئيس أحمد الشرع هذه الفرصة لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي وخلق توازن دقيق بين القوى الإقليمية الكبرى، بما يضمن حماية المصالح الوطنية وصيانة موقع سوريا الاستراتيجي.

قراءة مستقبلية… بناء دولة حديثة

سوريا أمام فرصة تاريخية لبناء نموذج جديد قائم على تنويع الشراكات الإقليمية والدولية، فصل التحالفات عن التبعية، بناء اقتصاد أكثر انفتاحًا، وتعزيز السيادة في الملفات الاستراتيجية.

العام الأول من حكم الشرع كشف أن التحرر من الحرب لا يكفي، وأن القوة الأمنية والسياسية للقيادة هي حجر الأساس لبناء المستقبل. مع استمرار التحولات الإقليمية، تبدو سوريا اليوم أمام مفترق طرق: استثمار موقعها الجديد بحكمة، أو العودة إلى دائرة الاستقطاب. المؤشرات الأولى تؤكد أن الشرع يقود سوريا نحو استعادة دورها الفاعل على الساحة الإقليمية والدولية، لا الاكتفاء بردة فعل على الآخرين.

* ماجستير صحافة وإعلام
كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية والإعلامية